منذ بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، دخل قطاع التعليم في مرحلة استثنائية، وقرر الانتقال إلى نظام التدريس عن بعد خصوصاً في التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية، وجزء كبير من الخاص. وكلما اشتدّت عمليات القصف وتوسّعت نحو محيط المناطق الآمنة ينتقل ما بقي من مؤسسات تعتمد التعليم الحضوري إلى خيار الأونلاين، ما يعني أن التعليم بات على مستوى البلد ضمن حالة الطوارئ.
وبينما تسير خطة وزارة التربية في مواجهة الواقع القائم ضمن ما بات يُعرف بـ"التعليم في أوقات الأزمات"، فإن الأزمة الحالية الناجمة عن التدمير والقصف والنزوح، هي الأشد قسوة، حيث لا قدرة للدولة على وضع خطط للتعويض، وهي ليست مهيّأة في الأصل، فيما ينزف التعليم ويُدفع بجيل كامل إلى التشرد والتسرب أو عدم القدرة على تحصيل تعليم يمكنه المنافسة في المستقبل.
العوائق كثيرة أمام إعادة تسيير النظام التعليمي بالكامل، فهذه هي المرة الثانية التي يلجأ فيها لبنان إلى التعليم عن بعد، الأولى كانت في عام 2020-2021 خلال جائحة كورونا، لكنها تجربة كانت فاشلة بكل المعايير، وهو ما أدى مع الانهيار المالي في البلاد إلى تعطل التعليم وإلغاء الامتحانات الرسمية ومنح إفادات لكل المتقدمين.
اليوم ورغم الاختلاف عن المرحلة السابقة فإنها أخطر قياساً لما تتسبب به الحرب من فظائع، وإن كان تعليم النازحين يسير وفق ما هو متاح، فإنه يواجه العديد من التحديات والمشكلات التي ستظهر نتائجها في مرحلة لاحقة. وعلى هذا نشهد في الخاص تعليماً لا يرقى إلى مستوى ما كانت تقدمه المدارس خلال سنوات سابقة، لا بل إنه يتراجع بفعل تراكم الأزمات الممتدة منذ سنوات. أما التعليم الرسمي فإنه أكثر نزفاً مع تحول 640 مدرسة إلى مراكز إيواء.
الضغوط على النظام التعليمي في لبنان باتت تعصف بكل مكوناته، وترتب تداعيات غير مباشرة أيضاً؛ وهو ما يمكن أن نلاحظه في ممارسات تتجاوز الجانب الأكاديمي في المدرسة والجامعة والتحكم بالقرارات التي هي أساساً من صلاحيات الجهات التربوية واللجان العلمية، بما يوحي بتعميم الفوضى، وما نشهده أيضاً من هجرة للتلامذة والطلاب مع أهاليهم، وهو ما ظهر بوضوح في الجامعات الكبرى، أما في الجامعة اللبنانية، فالتعليم عن بعد كخيار اضطراري، سيؤثر على وضعها في المستوى والتصنيفات ما دام التعليم الحضوري الذي يشمل المختبرات والبحوث غير متوافر.
الحرب قد تنزع ما بقي من تميّز لدى لبنان في التعليم، بعدما خسر رياديته، لذا لا أولوية اليوم إلا للتحصين والاستمرار في حمل لواء التعليم باعتباره صمام أمان، وهذا يستدعي مزيداً من العمل لمنع تراكم الفساد في القطاع وقطع الطريق على التدخلات السياسية وتعميم الممارسات اللاأكاديمية، كي يكون ممكناً إعادة النهوض والتعويض واستعادة الكفاءة التعليمية. وبعد ذلك يمكن المكاشفة والمحاسبة.