الأخبار والأنشطة

01 كانون أول 2023
بين 2012 و2022: النبطية الأغلى وعكّار الأرخص... وقدرة الموظفين الشرائية انخفضت 90%

ليس مستغرباً أو منافياً لقواعد التجارة والأعمال أن ترتفع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والخدماتية الى معدلات جنونية خصوصاً بالنسبة لذوي الدخل غير المدولر، في بلد 90% من حاجاته الحياتية، وضرورات المأكل والمشرب فيه، مستوردة من الخارج، وبالعملة الصعبة، وفي ظل انهيار اقتصادي ونقدي قضى على 95% من القدرة الشرائية لعملته الوطنية.

 
ارتفاع غياب الإنتاج المحلي الوافر، وفقدان الخطط الوطنية الاستراتيجية الشاملة لدى الدولة لتحفيز الاستهلاك من مستورد إلى منتج أو مصنع محلياً، أصاب الاقتصاد بضربة قاضية عند انهيار الليرة، وأصيبت معه قدرة المستهلك اللبناني على الاستمرار بالحد الأدنى من مقوّمات الحياة اليومية بأضرار، لا تعوّضها برامج مساعدة أو دعم دولي، خصوصاً بعد سقوط الطبقة الوسطى الى خط الفقر، وباتا معاً يشكلان 80% من الشعب اللبناني، وهو ما لا قدرة للدولة اللبنانية ومعها المؤسسات الدولية الإغاثية أو المانحة على استيعابه ومعالجته.

تنامي الأسعار صعوداً أتى على خلفية تراكم مسببات محلية وخارجية عدة، تضافرت في صناعة مشهد الغلاء الفاحش وتغيّر السلوك الاستهلاكي عند غالبية اللبنانيين.

في المحلي، حتّم انهيار العملة ارتفاع الأسعار بالليرة، ولم تجدِ نفعاً كبيراً في خفضها خطوة دولرة أسعار السوبرماركت والمحروقات، حيث هزم تنسيق التسعير قاعدة المنافسة، وبات من النادر أن يجد المستهلك فرقاً ملموساً في الأسعار بين نقاط البيع، باستثناء بعض المناطق البعيدة عن العاصمة والمدن الرئيسية، حيث فرض ضمور الحركة وجمود الأسواق تخفيضات لا يُعتد بها، ولا تصح الإشارة إليها بأنها "أسعار منافسة".

وفي الأسباب الخارجية، كان للارتفاع المطّرد في أسعار المحروقات في الأعوام الثلاثة المنصرمة أثر بالغ في رفع كلفة نقل المستوردات والتأمين عليها، وكذلك الزيادات التي طرأت على رسوم المرافئ والمطار، فضلاً عن الحرب الضروس التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا، والنقص العالمي الحاد في جميع أصناف الحبوب والزيوت النباتية بعد توقف الإنتاج والتصدير الأوكراني شبه الكلي.

 
إلى الأسباب الآنفة الذكر، تغيب عدالة التسعير والبيع بين المناطق اللبنانية المختلفة، وبين تاجر وآخر على جيرة، للسبب التاريخي المعروف في لبنان، وهو الغياب المعتاد للدولة عن مراقبة الأسعار وجودة المعروضات ونوعيتها، وانكفاؤها عن تحمّل مسؤوليتها الدستورية في حماية ورعاية مواطنيها، خصوصاً في مرحلة يتدحرج فيها الوضعان الاجتماعي والاقتصادي إلى قعر لم يسبق للبنانيين أن شهدوا مثله منذ الحرب العالمية الأولى.

الأسباب أعلاها وأسباب أخرى، خلصت إليها الدراسة التي أعدّتها كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت بالتعاون مع الدكتور فؤاد زبليط التي اعتمدت على البيانات المنشورة على موقع www.humdata.org بشأن أسعار السلع في لبنان. الدراسة بيّنت أن المستهلك يواجه تغييرات في الأسعار، خلال الفترة الزمنية عينها بين المناطق المتفاوتة في لبنان) المحافظات)، مرجحة أن أسباب المشكلة تعود الى النقص في مراقبي الأسعار، والنطاق المحدود في مجال ضبط الأسعار وتحديد الحدود العليا لها، والنقص في توافر خبراء متخصّصين في مجال الأمن الغذائي، والافتقار إلى برامج زراعية متكاملة لتعزيز السوق بالسلع في الأزمات، وكذلك الى توافر وسائل نقل وطنية رخيصة للمنتجات المستهلكة، إذ يمكن أن تتجاوز تكلفة النقل 30% من التكلفة النهائية للسلعة.

الدراسة لحظت أن أسعار نحو 80 سلعة في 3 فترات زمنية: من عام 2012 حتى تشرين الأول 2019، أي الفترة قبل الأزمة، ومن تشرين الأول 2019 حتى نهاية عام 2021 (فترة الأزمة مع السلع المدعومة)، وعام 2022 (بعد إلغاء الدعم).

 
ووفق الدراسة فقد فرضت الأزمة المصرفية والمالية في لبنان عاملين رئيسيين على قضيّة الأمن الغذائي، أولهما الارتفاع القويّ لسعر الصرف مقابل سعر رسمي منخفض للدولار (1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد)، ومعدل التضخم المتسارع أثّر بقوة على أسعار السلع وعلى القدرة الشرائية بالليرة اللبنانية. وتبعاً لذلك أفضت الدراسة الى أن ثمة تفاوتاً في الأسعار بين المحافظات: فمحافظة النبطية الأغلى وعكار الأرخص، وبينهما تأتي محافظتا بيروت والشمال. كما أظهرت الدراسة أن ثمة تفاوتاً بالأسعار بين المدن والأقضية، فكانت مدن جزين ومرجعيون وراشيا هي الأغلى، فيما حلبا وبعلبك والهرمل هي الأرخص. أما غالبية الأسعار بعد الأزمة، إذا ما احتُسبت على الدولار الأميركي، فكانت نسبياً أرخص باستثناء زيت دوار الشمس الذي تأثر بالأزمة الأوكرانية.

في الوقت عينه، وخلال العامين الأولين من الأزمة، لجأت الحكومة الى دعم الوقود ومشتقاته والقمح والخبز وبعض السلع الأخرى، أما خلال عام 2021 فرُفع الدعم، وكانت الأسعار "تتذبذب" لفترة قصيرة من دون أي منطق، ثم استقرّت لاحقاً بسبب تسارع عملية دولرة سوق التجزئة.

المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي

من نحن

تطلّعاتنا هي تأمين عمل لائق ودخل مستدام ومستقر لضمان التنوع الصحي للمجتمع اللبناني والعمل على تشجيع الأفراد اللبنانيين على المساهمة الفعالة في بناء الأمة من خلال مؤسسات القطاع العام.