الأخبار والأنشطة

22 آذار 2023
"الكارثة" المستمرة وهجرة الأبناء: عيد الأم بألف غصّة

يطلّ عيد الأم هذا العام، بغصّة على الأمهات اللبنانيّات، فمنهنّ مَن تعجز عن الاحتفال إمّا لظروف عائلتها الماديّة الصعبة، أو لأن القانون والحكم الذكوريّ خطفا منها أطفالها. أمّا القسم الأكبر من الأمّهات اليوم فحُرمنَ من أبنائهنَ بعدما اختاروا الهجرة سبيلًا لتأمين لقمة العيش. فلا ورود ولا حلويات، و"صاحبات العيد" حائرات يتخبطنَ حنيناً ولوعةً لرؤية أحبابهنّ ولو لثوانٍ أو لاستعادة زمن الاحتفالات الذي "ولّى".

حنينٌ لـ"جَمعِة العيلة"
الأمّ ناديا ملكي (62 عاماً)، تفكّر بأولادها وأحفادها في هذا اليوم، بعدما هاجروا إلى الخارج بحثاً عن فرص جديدة ومستقبل أفضل.

تقول "ماما ناديا" لـ"المدن": "أنا حزينة للغاية في هذا اليوم، فما قيمته المعنويّة لي كأمّ بعدما ربيتهم وتعبت عليهم لتبتلِعَهُم الغربة وتسرقهم من حضني. متى كبروا يا الله؟ فتخيّلوا، لم يتمكنوا من معايدتي خلال النهار بسبب فرق الوقت بين لبنان وكندا، فعن أيّ عيد تتحدثون!".

"يللي راح ما بيرجع".. لعلّها الكلمات الأولى التي نطقت بها جورجيت جبّور (57 عاماً) فور سؤالنا عن أحوالها في العيد. تُخبرنا السيّدة الخمسينيّة التي ودّعت أولادها الأربعة قبل عامين، تحديداً بعد تفجير الرابع من آب، إلى أجل غير مسمّى، عن لوعتها واشتياقها إليهم ولكن "ما باليد حيلة".

تستيقظ جورجيت في صباح عيد الأمّ لتُجهزّ القهوة كما يُحبّها الياس (ابنها البكر)، ومن ثمّ تقلي بيض العيون كما كانت تطلبه سينتيا (ابنتها الصغرى)، أمّا باتريك، "المشاغب" كما سمّته، فيتّصل بها في تمام الساعة الثامنة صباحاً ليُتمّم واجباته تجاهها قبل أن "يغرق بالعمل": "أنا أعلم أنّهم لن يعودوا إلّا إذا تحسّن البلد، ولأنّ لبنان لن يتحسّن أبداً، فأنا واثقة من أن أولادي لن يرجعوا إلى حضني في المدى القريب، فأتصرّف وكأنّهم يعيشون معي، ربما لكبر سنّي، أو لأن عقلي وقلبي يرفضان تصديق غيابهم. أخشى الموت فجأة من دون رؤيتهم، فكيف سأقابل ربّي وأنا بلا روح؟".

الغلاء يسرق فرحة الأمّهات
لا شكّ بأن الانهيار الكبير الحاصل في البلد غيّر الكثير من عاداتنا رغماً عنّا، حتّى أن شظاياه وصل إلى الأمّهات، بعدما حُرم الأولاد من متعة شراء الهدايا والورود لهنّ بسبب الغلاء ولَهيب سعر صرف الدولار الذي اشتعل مساء أمس أيّ قبل العيد مباشرة.

يشرح جميل قعقور لـ"المدن" أنّه اعتاد في كلّ عام على شراء باقة وردٍ لوالدته مع قالب حلوى متواضع، تجتمع العائلة حوله تُغنّي لـ"ستّ الكلّ"، إلّا أنّ هذا العام استبدل الشاب العشرينيّ الباقة بوردة حمراء وحيدة خجولة، أمّا الكيك، فحضرّته شقيقته منزلياً.

هذا ويقول جميل بحرقة: "باقة الورد تبدأ من 30 دولاراً أيّ 3 مليون و720 ألفاً، حتّى الزهرة الواحدة سعرها يتخطّى 5 دولارات، أمّا سعر قالب الحلوى الصغير فحدّث ولا حرج، وأنا لست سوى موظف أحاول دفع مصاريف جامعتي والعمل لتسديد فواتير المولد والإنترنت والمياه.. فأمّي تستحقّ ما هو أثمن كم كلّ الهدايا، ولكن من أين لي بكل هذا المال؟".

بالنسبة إلى رانيا معوّض العيد هو يوم وسيمرّ. وتُشير في حديثها مع "المدن" إلى أن "لهذا اليوم رغم كلّ الصعوبات والضائقة الماديّة، مكانته الخاصّة والمميّزة في قلوب الأبناء كما الأمّهات": "فكّرت ملياً في الهديّة التي يمكنني تقديمها لأمّي بعيدها، فقرّرت شراء الذهب، نظراً لأنّ سعره يُعتبر مقبولاً كي لا أقول تنافسياً مقارنة ببقية الخيارات، وعلى الأقلّ تبقى قيمته فيه لأنّها حتماً ستبيعه بعد أشهر قليلة، إذا استمرّ الوضع كما هو عليه".

الأسعار جنونيّة والقدرة الشرائية "معدومة"
في جولة سريعة لـ"المدن" على الأسواق، نلحظ أن حركة السوق شبه "ميّتة" وخجولة في هذا العيد، فأسعار الورد تُحلّق، بالتوازي مع الملابس، وقوالب الحلوى، والأدوات الكهربائيّة، والعطور، أمّا المارّة فيكتفون بتعابير الذهول أمام المحال.

تلفت غوى غصين، وهي صاحبة محل لبيع الملابس والأحذية في الحدث - بعبدا، إلى أن "مجموع أرباحها كان يتخطّى خمسة آلاف دولار في عيد الأمّ وحده، لكنها اليوم باعت عشر قطع فقط، وبموسم التخفيضات، لأنّ قدرة المواطن انعدمت وأولوياته تبدّلت، حتّى أنّ الملابس لم تعد من ضمنها".

أمام محل "تيرا للورود"، يقف جوليان زغيب (21 عاماً)، يسأل عن سعر كل نوع بخجل، وكأنّه يستعطف صاحب المحل تخفيض السعر عليه. ويسأل عبر "المدن": "ماما مريضة بالسرطان، ولا نملك المال لعلاجها، فكيف سأتمكن من شراء هذه الباقة التي سنرميها بعد أيّام، إذا كانت أمّي بنفسها تذبل أمام أعيننا ونقف عاجزين؟".

من جهته، يقول صاحب المحل سليم حلاوة لـ"المدن": "نعلم أن أسعارنا مرتفعة جداً والقدرة الشرائية شبه معدومة، لكننا ندفع الإيجار بـ"الفريش دولار"، كما نشتري بضائعنا وفقاً لسعر السوق السوداء، ومع ذلك نبيعها بنصف الثمن من دون تسجيل أرباح"، متسائلاً: "هل المطلوب أن نقفل أبوابنا ونجوع؟".

الذهب "أوفَر" الحلول!
يتربع الذهب على عرش هدايا عيد الأمّ لهذا العام على الرغم من الارتفاعات المتلاحقة التي طرأت على أسعاره، من دون أن يفقد المعدن النفيس بريقه.

في هذا الإطار، يوضح إيلي الهبر، وهو صاحب محل ذهب في بيروت، أنّ "الفترات الماضية شهدت تقلّباً كبيراً في أسعار الذهب بمختلف عياراته، إلّا أنّنا نحاول مواكبة السوق قدر المستطاع عبر طرح تصاميم خاصّة بعيد الأمّ، حيث نسعى من خلالها إلى جذب المشترين وتنشيط حركة السوق وإنعاش القطاع".

تتضمّن التصاميم الجديدة عقوداً وأساور يُكتب عليها كلمة "أُمّي" أو "ماما" أو "ستّ الحبايب"، وغالباً ما تتراوح أسعارها بين 35 و150 دولاراً، حسب وزنها، لتبقى الخيار الأفضل والأكثر منطقياً في زمن الغلاء والدولرة.

يصعب على الأمهات الاحتفال بعيدهنَّ وسط السوداويّة التي نعيشها، غير أن وجودهنَّ بحدّ ذاته من أكبر النِعم والهدايا التي قد نحظى بها. فلا الورود، ولا الذهب، ولا أعظم الهدايا توازي قيمة الأمّ. فهل تسترجع اللبنانيّات فرحة العيد قريباً؟

المصدر: المدن

 

من نحن

تطلّعاتنا هي تأمين عمل لائق ودخل مستدام ومستقر لضمان التنوع الصحي للمجتمع اللبناني والعمل على تشجيع الأفراد اللبنانيين على المساهمة الفعالة في بناء الأمة من خلال مؤسسات القطاع العام.