ساهمت المعارك الدائرة في سوريا بتصاعد المخاوف الداخلية من عودة النزوح السوري، ولا يقتصر الأمر على هذا العامل الجديد بل إن تعاطي الدولة اللبنانية مع هذا الملف لم يصل إلى المستوى المطلوب، ما راكم الأزمات على لبنان.
ساهمت جريمة اغتيال منسق "القوات اللبنانية" في جبيل باسكال سليمان في إعادة النظر بمخاطر النزوح. ويومها باشرت الدولة تحركها، واتخذت تدابير صارمة خصوصاً في أقضية الشمال حيث العدد الأكبر من النازحين. وبدأت سلسلة الإخلاءات للبلدات والمدن. ولعب محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا دوراً بارزاً حتى قبل اغتيال سليمان، لكن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR اشتكت على نهرا في تصرّف اعتُبر خرقاً للسيادة، وبعد الحملة على المفوضية تراجعت وأكمل نهرا تدابيره. وبعد تعاميم الأخير وتحرّك جهاز أمن الدولة، إتخذ الأمن العام سلسلة تدابير للحدّ من فوضى النزوح على مستوى الوطن، وكان على الوزارات المعنية مواكبة الأعمال.
اندلعت الحرب في 17 أيلول بعد تفجيرات "البيجر"، وبدل استغلال الوضع لحل أزمة النزوح، تمّ سحب التفويض من الأجهزة وخصوصاً أمن الدولة لقمع المخالفات والتواجد السوري غير الشرعي وطلبت منها متابعة شؤون النازحين من البقاع والجنوب والضاحية، الأمر الذي أدى إلى التراخي.
وفي حين كان عدّاد المغادرين إلى سوريا يرتفع حيث وصل وفق تقديرات رسمية إلى نصف مليون سوري مغادر، كانت بعض بلدات ومدن ما عرف بالمنطقة الآمنة في جبل لبنان والشمال تشهد عودة النازحين السوريين إليها، وحصل ذلك بتواطؤ من الأهالي حيث استغلّ بعض اللبنانيين غياب الأجهزة عن الملاحقة.
يرتفع اليوم منسوب الخوف من عودة النازحين السوريين إلى لبنان حتى لو كانت الاشتباكات بعيدة عن حدودنا، وكل الأرضية مجهّزة لهذا الأمر، فالدولة غائبة عن ملاحقة هذا الملف، والتعاميم الصادرة عن وزارة الداخلية والمحافظين لا تشكل رادعاً للبنانيين، فيما البلديات مشلولة، وقد ترافق وقف إطلاق النار في لبنان مع الأحداث الأمنية في سوريا ما قد يرفع من منسوب موجات النزوح كلما اقتربت من الأراضي اللبنانية.
وعلى الرغم من عدد السوريين الكبير الذين غادروا لبنان والذي بلغ 500 ألف، إلا أن الجميع ينسى أن في لبنان أكثر من مليوني سوري، وهذا الرقم كبير جداً. ويترافق مع تعزيز المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عملها، فعند اندلاع الحرب وسعت المفوضية مخيمات في زحلة والشمال بموافقة وزارة الداخلية بدل إعادة النازحين إلى سوريا. وقد شهدنا عودة بعض السوريين قبل اللبنانيين إلى مناطق لبنانية فور وقف إطلاق النار.
قد تكون العودة السورية عبر المعابر غير الشرعية أصعب في البقاع من الشمال بسبب الرقابة الإسرائيلية والخوف من الغارات، إلا أن المعلومات تشير إلى جهوزية عصابات التهريب لإعادة السوريين الذين هربوا أثناء الحرب وغيرهم، وهناك أسباب عدّة تدفعهم إلى العودة، أولها التذرع بالوضع الأمني في سوريا بالإضافة إلى تأسيس معظمهم أعمالاً غير شرعية في لبنان، واستمرار مفوضية اللاجئين بتقديم الدعم المادي لهم.
فجر الجمعة الماضي توجّهت آليات الجيش اللبناني إلى الحدود الشمالية مع سوريا لضبطها وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وإلى حين استكمال الجيش انتشاره وتمركزه، يكون قد دخل إلى لبنان آلاف السوريين بطريقة غير شرعية نظراً للتداخل في الحدود.
وتؤكّد مصادر أمنية لـ "نداء الوطن" أن الجيش مستمرّ بمهامه الحدودية، وكان يعيد كل نازح غير شرعي إلى سوريا، وسيتشدّد أكثر في الوقت الحالي.
وما يؤكد عدم وجود نية لحلّ هذا الملف، هو تراخي دوائر الدولة والوزارات في التعامل مع الوجود السوري غير الشرعي، وتمسّك بعض اللبنانيين به نظراً للإستفادة المالية منه، وتقديمات مفوضية اللاجئين، وما يدل على أن هذا الوجود بات أمراً واقعاً، بيانات بعض البلديات الجنوبية التي طالبت بعدم عودة العائلات السورية في هذه المرحلة واقتصار العودة على العمّال، وهذا الأمر يشير إلى أن هذا الوجود بات راسخاً.
يبقى الأهم انتظار الحكومة ووزارة الداخلية وما سيصدر عنهما حيال عودة السوريين الذين غادروا لبنان أولاً واحتمال حدوث موجة نزوح جديدة.
وإذا كانت المعابر غير الشرعية سبب خراب لبنان منذ الاستقلال، إلا أنّ الأنظار تتجه أيضاً إلى المعابر الشرعية، فهل ستعتبر الأجهزة أنه من حق كل سوري يحمل بطاقة من مفوضية الأمم العودة ويكون شرعياً وغادر بسبب الحرب؟
هذا الأمر يتطلّب قراراً واضحاً من وزارة الداخلية والبلديات والحكومة التي ستجتمع قريباً والتي تتمرّد عليها مفوضية اللاجئين ولا تسلمها "الداتا". ويبقى السؤال: هل تتجرأ الحكومة على إصدار الأوامر للأجهزة بإغلاق حدود لبنان كمرحلة أولى واستكمال ترحيل غير الشرعيين ومنع عودة من غادروا، أو أن الحكومة ستتآمر مرّة ثانية على لبنان وتسمح باجتياحه ديموغرافياً بعدما تمّ اجتياح سيادته ودخل السلاح المدمّر؟ وكيف ستتعاطى مع كل من غادر ويريد العودة تحت راية الأمم، وهل ستسمح بعودتهم لأنها تحتاج إلى مساعدات ولا تريد استفزاز المفوضية؟ ولماذا التساهل بمنح إقامات لكل من يطلبها؟ الأجوبة والقرارات مطلوبة، لكن التجارب لا تشجّع.
المصدر: نداء الوطن