طغى منذ أسابيع، لا سيما في الأيام الأخيرة، على النقاش السياسي والإعلامي المحلي والعالمي ذكر قرارات مجلس الأمن الدولي في هيئة الأمم المتّحدة، وركّز البعض على قرارات ثلاث هي القرارات الدولية 1559 و1680 و1701، كواحدة من السبل الدبلوماسية لوقف الحرب في لبنان وتحقيق الهدوء على جانبي الحدود بين لبنان والكيان الإسرائيلي. ماذا تتضمّن هذه القرارات من إجراءات وتدابير لتحقيق هذا الهدف؟
ثلاثة قرارات دوليّة مضى على إقرارها أكثر من 20 عامًا، بعضها أحدث انقسامًا داخليًا كالقرار 1559، وجاء القرار 1701 ليوقف الحرب بين لبنان وإسرائيل في العام 2006، ولكن هذه القرارات الثلاث لم تمنع تجدّد الحرب اليوم بين لبنان و'إسرائيل' وبالتالي، إنّ المطالبة بتطبيقها اليوم يعني إحداث انقسام داخلي والقول إنّها لم تطبّق في السابق إمّا لغياب الإرادة في تطبيقها أو لثغرات في بنودها، أم هي العدوانيّة 'الإسرائيلية' التي لا تحترم القرارات الدوليّة!
وماذا عن القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن أيضًا والتي لم يلتزم ببنودها الجانب 'الإسرائيلي'؟ وثمة قرارات ألحقت، وعلى أعقابها، بقرارات إضافية للتشديد على فرض الالتزام بالبنود التي صدرت عمّا يمثّل 'المجتمع الدولي' بعد الحرب العالمية الثانية.
لمحة تاريخية
بناءً على قراري مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقمي 61 و62، الصادرين في 4 تشرين الثاني و16 منه تباعًا من العام 1948، والذي يفرض على أطراف النزاع في فلسطين، مصر، سورية، الأردن، لبنان، و'إسرائيل' إعلان هدنة عامة تتضمّن إقامة خطوط هدنة دائمة يُمنع تجاوزها، كما انسحابًا وتخفيضًا للقوى المسلّحة من جانبي هذه الخطوط ضمانًا لها. ووقّعت اتفاقات ثنائية، ومنها اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية، وعلى الرغم من عدم دخول لبنان في الحرب في العام 1967، وإعلانه الحياد، ما لبثت 'إسرائيل أن أعلنت تخلّيها عن الاتّفاقية الموقّعة والمُصدّق عليها من قبل مجلس الأمن العام 1949، بعد حرب 5 حزيران 1967، وفق موقع الجيش اللبناني، كما تخلّت عن النظام الذي أنشأته تلك الاتفاقية الدولية، مخالفة مبادئ وقواعد القانون الدولي.
كان قد سبق ذلك، أن أقرّت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني من العام 1947 تقسيم فلسطين والذي حمل الرقم 181، ويتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، وهي دولة عربية بمساحة 11 ألف كيلومتر مربّع (42.3% من فلسطين)، ودولة يهودية بمساحة 15 ألف كيلومتر مربّع (57.7% من فلسطين)، وتبقى القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة لها تحت الوصاية الدولية. ومع أن التقسيم كان مطلبًا صهيونيًا وقد قابل رفضًا عربيًا، ولكنّ عدم تطبيق القرار وعدم الاكتفاء بالمساحة المحدّدة للدولة اليهودية وأخذ المزيد منها جاء من قبل الصهاينة أنفسهم. ففي العام 2004، كانت 'إسرائيل' قد استولت على 50% من الأراضي التي كانت معتبرة في قرار التقسيم للدولة العربية، مع اعتبار غزة والضفة الغربية خارجها، وفي اتفاقية أوسلو التي عقدت في 13 أيلول 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية و'إسرائيل'، إشارة فقط إلى الضفة الغربية وقطاع غزة كأراضٍ مخصّصة لاستقلال الشعب الفلسطيني. واستتبع ذلك قضم لأراضٍ في الضفة وفي غلاف قطاع غزة.
جاءت اتفاقية أوسلو من دون أن يكون قد طُبّق قرار 242 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 22 تشرين الثاني 1967 عقب احتلال 'إسرائيل للمزيد من الأراضي'، ومع أنّ القرار لم يشر إلى فلسطين والشعب الفلسطيني إلا من باب 'حلّ مشكلة اللاجئين'، غير أنّه يشير إلى 'سحب القوات المسلّحة من أراضٍ احتلتها في النزاع'، وبرزت حينها مشكلة مع سحب آل التعريف من كلمة الأراضي في النص الإنكليزي من القرار، بحيث اكتنف هذه المادة غموضًا. وبطبيعة الحال، لم يتمّ تنفيذ هذا القرار من الجانب 'الإسرائيلي'.
أمّا قرار 338 عن مجلس الأمن أيضًا وقد صدر في 22 تشرين الأول 1973، وقضى بوقف إطلاق النار عقب حرب أكتوبر كما تعرف في مصر أو حرب تشرين التحريرية في سورية، وحرب 'يوم الغفران من الجانب الإسرائيلي، ولم يتوقّف القتال، إلا بعد القرار 339. وكان القرار قد ضمّ الطلب بتنفيذ القرار 242 (1967) بأجزائه كافة.
غيض من فيض، فثمة قرارات ملحقة عديدة من مثل القرار الرقم 338 (1974)، القرار الرقم 368 (نيسان 1975)، والقرار الرقم 369 (أيّار 1974)، صادرة عن مجلس الأمن الدولي وتتعلّق بالصراع العربي- الإسرائيلي.
ونصل إلى القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 19 آذار 1978، بعد اجتياح 'إسرائيل' لجنوب لبنان حتى نهر الليطاني، باسم 'عملية الليطاني' في آذار 1978 وبقيت فيه لثلاثة أشهر، وقد أدّى الاجتياح حينها وبسعي من الولايات المتحدة الأميركية إلى تكوين قوة حفظ السلام في الجنوب والتي تتألّف من قوّات 'اليونيفيل' (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان)، ولم يكن انسحاب 'إسرائيل' إلا انسحابًا جزئيًا مسلّمة جيش لبنان الجنوبي المنطقة، وسُجّلت اعتداءات من الجانب الإسرائيلي ومن جيش لبنان الجنوبي على قوات اليونيفيل (قَتل 10 عناصر من قوات اليونيفيل). وقد أُلحق القرار 425 بالقرار 426، ولم يطبّق أيّ من القرارين من الجانب 'الإسرائيلي'.
وقد أدّى اجتياح لبنان في العام 1982، إلى سيطرة 'إسرائيل' على جزء من بيروت، ولم تنسحب إلا في العام 1985، كذلك انسحابًا جزئيًا، إلى أن انسحبت في العام 2000، ونشأ عن ذلك الخط الأزرق وهو ليس بخط حدود دوليّة، إنّما الخط الذي رسمته الأمم المتحدة بناءً على خط الانسحاب الإسرائيلي في 7 حزيران 2000 بين لبنان من جهة، وفلسطين المحتلّة وهضبة الجولان من جهة أخرى، ويمتدّ إلى 120 كيلومترًا. وفي العام 1982، صدر بخصوص الصراع اللبناني- الإسرائيلي نحو 16 قرارًا لمجلي الأمن الدولي، ومنها الطلب للسماح بإسعاف المدنيين وإيصال الغذاء والدواء إليهم، ولم تطبّق هذه القرارات، وممّا طبّق منها، لم يطبّق إلا جزئيًا.
ومنذ الانسحاب في أيار العام 2000 وحتى اليوم، تعرّض لبنان لقصف مدفعي وجوي إسرائيلي وعمليات اغتيال، وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، ومن ثم اعتداءات في العام 2019، وصولًا إلى 'طوفان الأقصى' في غزة في 7 تشرين الأول 2023، ودخول حزب الله وجهات حليفة في جبهة الإسناد لغزة في اليوم التالي، إلى الدخول في الحرب بشكل أشمل بعد عدة عمليات اغتيال لقادة في حماس وفي حزب الله، واغتيال الأمين العام لحزب الله في 27 أيلول 2024 في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد تنفيذ عمليتين كان متوقّعًا فيها اغتيال نحو 4000 عنصر من حزب الله بواسطة تفجير أجهزة النداء 'البايجر' وأجهزة الاتصال اللاسلكي.
عقد مجلس الأمن العديد من الاجتماعات الطارئة للبحث في الوضع في غزة وفي لبنان وناشد وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من اندلاع حرب إقليمية في المنطقة، وأكد على ضرورة أن تلتزم جميع الأطراف بحماية العاملين في المجال الإنساني وضمان عدم استخدام المواقع المدنية لأغراض عسكري، وقال: 'إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية خلص إلى أن استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وأن إسرائيل ملزمة بإنهائه في أسرع وقت ممكن. 'وقد طالبت الجمعية العامة إسرائيل بالامتثال'.
ويذكر أن آلاف وآلاف الخروقات للقرارات والاتفاقيات الدولية التي وقّعها وصادق عليها مجلس الأمن الدولي، قد سجّلت من الجانب الإسرائيلي ضدّ لبنان.
القرارات التي ركّزت عليها بعض الأطراف المحليّة والخارجيّة
القرار 1559:
صدر قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 بتاريخ 2 أيلول 2004، بتأييد 9 دول وامتناع 6 دول عن التصويت في إطار ما يعرف بالفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة بعنوان 'حلّ النزاعات سلميًا. وقد جاء في ذروة الخلاف السياسي الداخلي اللبناني حول موضوع التمديد في رئاسة الجمهورية للعماد إميل لحود، فاعتُبر القرار تدخلًا دوليًا في الشؤون الداخلية اللبنانية إذ أنّه لم يتمّ بناء على طلب من الحكومة اللبنانية بل بمبادرة أميركية- فرنسية. وقد ردّ المجلس النيابي على هذا القرار وعمد في اليوم التالي إلى تمديد ولاية الرئيس إميل لحود لثلاث سنوات.
أبرز بنود القرار:
1- يؤكد (مجلس الامن) مجددًا مطالبته بالاحترام التام لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت سلطة حكومة لبنان وحدها دون منازع في جميع انحاء لبنان.
2- يطالب بانسحاب جميع القوات الأجنبية المتبقية في لبنان (المقصود هنا بشكل أساسي القوات السوريّة).
3- يدعو إلى حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها (والمقصود هنا بشكل أساسي حزب الله والمنظّمات الفلسطينيّة).
4- يعلن تأييده لعملية انتخابيّة حرّة ونزيهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تجري وفقًا لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير تدخّل أو نفوذ أجنبي (والمقصود هنا النفوذ السوري).
القرار 1680
صدر قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1680 بتاريخ 17 أيار 2006، وهو يأتي لاستكمال تنفيذ القرار 1559.
أبرز ما تضمنّه القرار:
1- يشجّع الحكومة السوريّة على تحديد الحدود المشتركة مع لبنان وعلى إقامة علاقات وتمثيل دبلوماسي كاملين.
2- يثني على الحكومة اللبنانية لاتّخاذها إجراءات ضد عمليّات نقل الأسلحة داخل الأراضي اللبنانية ويهيب بالحكومة السوريّة اعتماد الإجراء عينه.
3- يرحّب بالقرار الذي اتّخذه الحوار الوطني بنزع سلاح الميليشيات الفلسطينيّة خارج المخيمات خلال فترة 6 أشهر ونزع سلاح الميليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة.
القرار 1701
صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بتاريخ 11 اب 2006 عقب حرب تموز 2006 بين لبنان وإسرائيل بحيث أنهى هذا القرار الحرب وأكّد على قراراته السابقة لاسيما القرارين 1559 و1680.
أبرز بنود هذا القرار:
1- التأكيد على أهميّة بسط سيطرة حكومة لبنان على كلّ الأراضي اللبنانية وفق أحكام القرار 1559 و1680 والأحكام ذات الصلة من اتّفاق الطائف.
2- التأكيد على الاحترام التّام للخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل.
3- اتّخاذ ترتيبات أمنيّة لمنع استئناف الأعمال القتاليّة بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي افراد أو مسلّحين أو معدّات عسكريّة أو أسلحة بخلاف ما يخصّ حكومة لبنان وقوّة الأمم المتّحدة المؤقتة في جنوب لبنان.
4- منع وجود قوات أجنبية في لبنان من دون موافقة حكومته.
5- منع مبيع أو إمدادات الأسلحة والمعدّات ذات الصلة عدا ما تأذن به حكومته.
6- زيادة حجم قوات الأمم المتّحدة المؤقتة في لبنان إلى حدّ أقصى قوامه 15 ألف جندي.
7- تزويد الأمم المتّحدة بكلّ خرائط الألغام الأرضيّة في لبنان والموجودة بحوزة إسرائيل.
المصدر: الدولية للمعلومات