محت الحروب المتكررة في المنطقة ولبنان الكثير من المعالم الأثرية، كما عرّضت هذه الحروب القطع الأثرية التي يمكن نقلها لعمليات سطو. هذه الآثار الباقية من حضارات لشعوب عاشت منذ القدم في مدننا باتت تشكل المقصد الأول للسيّاح. لكن سلاح الجو الإسرائيلي لم يوفر بقصفه القلاع والمساجد والكنائس ذات الطابع التراثي في لبنان، ففي سبعينيات القرن الماضي كان نصيب قلعة شقيف في الجنوب كبيراً من الغارات ما أدى الى تدمير أجزاء منها، وبعدها استُهدفت قلعة صور.
قصف إسرائيل لهذه المعالم ذات الرمزية الأثرية ينمّ عن نيّتها محو تاريخ أعدائها، ففي حربها على غزة دمرت مئات المواقع التاريخية والأثرية وذلك باعتراف المنظمة الإسرائيلية المختصة بشؤون الآثار "عمق شبيه". ومنذ أن وسع الجيش الإسرائيلي عدوانه على المدن اللبنانية، بدأ القصف يقترب أكثر من المواقع الأثرية التي من المفترض أنها محمية في أوقات الحروب والنزاعات بموجب القانون الدولي بيد أنه ينطبق عليها من جهة الأحكام العامة للقانون الإنساني التي تمنح الحماية لكل الممتلكات المدنية، ومن جهة أخرى محمية بموجب اتفاقية لاهاي 1954 والبروتوكولات الملحقة بها.
إلى حد اللحظة، لم يستهدف الجيش الإسرائيلي مباشرة آثاراً مصنفة عالميا من منظمة اليونيسكو، لكن بنسفه سوق النبطية وأبنية تراثية عمر بعضها تجاوز القرن يكون قضى على ذاكرة مشتركة لأبناء هذه المدينة.
هل سوق النبطية مصنّف ضمن الآثار المحميّة بموجب هذه القوانين؟
يوضح المهندس المعماري والناشط في مجال حماية التراث المبني عبد الحليم جبر أن "هناك 4 أنواع لتصنيف التراث، والأكثر فعالية منها هو تصنيف التراث العالمي الصادر عن منظمة اليونيسكو العالمية الذي حصلت عليه 4 معالم في لبنان فقط هي: قلعة بعلبك وقلعة صور وقلعة جبيل وقلعة عنجر، أما ثاني درجة تصنيف فهي التي تصدر عن وزارة الثقافة اللبنانية والتي تتضمّن القصور كقصر بيت الدين وسرايا حاصبيا وغيرهما، وثالث درجة تصنيف هي الصادرة عن بلدية أي بلدة في لبنان ويجب أن تُكرّس في مخطط توجيهي تصادق عليه البلدية وتصدره المديرية العامة للتنظيم المدني وهو التصنيف الذي يحظى به سوق النبطية، أما رابع تصنيف فهو غير رسمي ويقوم على اتفاق أهل بلدة معينة على أن هذا المبنى أو هذا السوق يشكل رمزية بالنسبة إليهم".
ويلفت جبر الى أن "القانون الدولي يحمي حصراً الآثار المصنفة من قبل منظمة اليونيسكو، أما الآثار المصنفة ضمن التصنيفات الـ3 الأخرى فما يردع استهدافها في حروب سابقة كان عادة الأخلاق لدى الأطراف المتنازعة".
هل طال القصف قلعتَي بعلبك وصور وتراثهما المحميّ بالقوانين والاتفاقيات الدولية؟
مصدر في مديرية الآثار أكد لـ"النهار" أنه تم الكشف الأولي على قلعة بعلبك، بعدما اقترب القصف منها الى نحو 700 متر على أن يُكشف عليها بدقة بعد انتهاء الحرب، مضيفاً "يحضَّر منذ فترة لعقد جلسة لليونيسكو خاصة بلبنان بغية إصدار توصيات لحماية المواقع الأثرية المهمة".
أما بالنسبة إلى الغارات على مدينة صور فهي بعيدة نسبياً عن الآثار والقلعة وطالت مداخل البلدة وبعض الطرق الحيوية.
المصدر: النهار