بعد تبنّي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الطرح الذي تقدم به وزير الإتصالات جوني القرم المتعلق بعملية "ضبط شبكة الخليوي التي تُستخدم من المتواجدين على الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية، وإحصاء أعدادهم ليصار إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة والصارمة في حقهم"، يقول الوزير قرم: "يهمنا أن نقوم بعملية فرز للأشخاص، للتفريق بين المتواجدين منهم بشكل شرعي في لبنان أو مسجلين في الـUNHCR أو من يملكون إقامات، وتطبيق القوانين اللبنانية وقوانين وزارة الإتصالات على الجميع من دون تمييز."
لكن مصادر متابعة في قطاع الاتصالات تعتبر أن "عقلية الدولة البوليسية لا تزال تسيطر على إدارة قطاع الاتصالات، كون هذا الإجراء ليس من مهام وعمل وزارة الاتصالات وشركتي الخليوي لا من قريب ولا من بعيد، اذ غالبا ما تستسهل الدولة اللبنانية وأجهزتها استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة بطرق ملتوية لغايات مبطنة وغير صادقة. فوزير الاتصالات يسعى لقطع خطوط المشتركين الذين يتواجدون في لبنان بطريقة غير شرعية من خلال التعاقد مع شركة أجنبية لشراء تجهيزات OCRاو ما يعرف بتقنية التعرف الضوئي على الحروف Optical Character Recognition للمساعدة في الكشف عن المستندات المزورة وتاليا قطع الخطوط الهاتفية لأصحابها. وطبعا هذا الاجراء سيكلف الدولة اللبنانية أموالا لشراء التجهيزات وموارد ادارية وبشرية وساعات عمل طويلة لإنجاز هذه المهام، الا انه في نهاية المطاف يمكن لأي متواجد غير شرعي على الاراضي اللبنانية أن يطلب من أي شخص متواجد بطريقة شرعية او اي مواطن لبناني أن يشتري له خطا هاتفيا آخر، وتاليا ستُخلق سوق سوداء لبيع الخطوط الهاتفية ولن تتم المساهمة في حل مشكلة الوجود غير الشرعي بهذه الطريقة إطلاقا، علما أن تكنولوجيا الـ OCR لا تستهدف فقط الوجود غير الشرعي بل تطاول جميع المشتركين اللبنانيين وغير اللبنانيين، وإذا لم يتم استخدامها ضمن الضوابط المحددة لها، يمكن أن تؤدي الى الحد من الحريات العامة بشكل كبير".
وتعتبر المصادر أن "العمل الطبيعي لوزارة الاتصالات وشركتي الخليوي هو العكس تماما، فهو يقوم على زيادة عدد المشتركين وخلق حوافز لزيادة الايرادات وليس قطع الإشتراكات الهاتفية وتخفيض الايرادات وخلق سوق سوداء لبيع الخطوط، بينما التصدي للوجود غير الشرعي يقع في صلب عمل وزارة الداخلية وأجهزتها المختلفة".
في المرة السابقة التي تصرفت فيها وزارة الاتصالات بعقلية الدولة البوليسية لأهداف مبطنة كانت في أيام الوزير نقولا الصحناوي الذي وصل الليل بالنهار لاستخدام تجهيزات شركتي الخليوي لقطع الخطوط الهاتفية في حال استعمالها من دون مرور الأجهزة الهاتفية بالجمارك اللبنانية، بينما هذه مسؤوليات مديرية الجمارك حصرا وليس شركتي الخليوي. وتم الترويج في حينه أن إيرادات الجمارك زادت 60 مليون دولار، لكن في المقابل زادت إيرادات بعض الوكلاء الحصريين (في حال زيادة الواردات الجمركية 60 مليون دولار، الزيادة في إيرادات الوكلاء الحصريين تقدر تلقائيا بمئات ملايين الدولارات)، في مقابل خسارة تكبدتها شركتا الخليوي وانخفاض ايرادات الدولة اللبنانية من قطاع الإتصالات. ولاحقا أوقف الوزير بطرس حرب هذا "الإجراء الشاذ" عند تسلمه وزارة الإتصالات، غير أن الوزير جمال الجراح أعاد العمل به منذ العام 2017.
بالعودة الى استخدام تقنية التعرف الضوئي على الحروف (OCR) التي سيشتريها الوزير جوني القرم، فهذه التقنية التي تعنى ببيانات المشتركين يمكن إساءة استخدامها من وزارة الاتصالات او الأجهزة الحكومية للحد من الحريات وفق ما تقول المصادر كالآتي:
- المراقبة وانتهاك الخصوصية: إذ يمكن للأجهزة الحكومية استخدام تقنية OCR لمراقبة وتحليل الاتصالات المكتوبة، مثل الرسائل الإلكترونية، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، والمستندات الممسوحة ضوئيًا. وذلك يمكن أن يؤدي إلى انتهاك كبير للخصوصية، إذ يمكن استخراج وفحص المعلومات الشخصية والحساسة من دون موافقة المشتركين.
- الرقابة والسيطرة على المعلومات: إذ يمكن استخدام تقنية OCR للكشف التلقائي عن المحتوى الذي تعتبره الحكومة غير مرغوب فيه أو تخريبيًا ومن ثم تصفيته. قد يشمل ذلك المعارضة السياسية، أو الانتقادات لسياسات الحكومة، أو أشكالا أخرى من التعبير التي ترغب الحكومة في قمعها، مما يحد من حرية التعبير.
- تجميع ملفات تعريف مفصلة للأفراد عن طريق استخراج البيانات من مستندات ومصادر مختلفة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إنشاء قواعد بيانات مراقبة شاملة، مما يمكن الحكومات من تتبع ومراقبة تحركات وأنشطة المواطنين بشكل أكثر فعالية.
- تعديل أو تزوير المستندات والمعلومات، من خلال التلاعب بالنص المعترف به بواسطة OCR، ويمكن نشر معلومات مضللة أو خلق روايات كاذبة للتلاعب بالرأي العام وتبرير أفعالهم.
وتختم المصادر أنه "للحد من هذه المخاطر، من المهم وجود أطر قانونية قوية، وآليات رقابة، وشفافية لضمان استخدام تقنية OCR بمسؤولية وأخلاق Ethics، غير ان ذلك كله يفتقده لبنان".