تمر في "شارع الميكانيك" بمنطقة الغبيري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، المكتظ بالسيارات المعطلة المركونة على جانبي الطريق. المنطقة هناك معروفة بكثافة ميكانيكيي السيارات فيها وبمهاراتهم العالية. خلف هذا الشارع بالتحديد تتردد النساء إلى المركز التدريبي لصيانة الآليات، من أجل حضور دورة خاصة بهنّ لتعلم المبادئ الأولية لميكانيك السيارات، برعاية بلدية الغبيري.
مشاركة لافتة
هي الأولى من نوعها في المنطقة، لذا، لاقت هذه الدورة إقبالاً كثيفاً من قبل النساء الراغبات بالتعرف إلى عالم قطع السيارات، حيث بلغ عدد المنتسبات أكثر من 50 امرأة من مختلف الفئات العمرية، وأكثر من 300 امرأة على لائحة الانتظار؛ وهي نتيجة لافتة فاقت التوقعات.
لحظة وصولهّن تتوزع المتدربات في صفّين، ويتلقّين الدروس النظرية لينتقلن فيما بعدها إلى التطبيق العملي في الطابق السفلي. بتركيز وجدية بالغتين، تدوّن النساء المعلومات ويطرحن الأسئلة والاستفسارات على المدرب بثقة عالية من دون أن يتم الاستخفاف بهن.
فتقوم بعضهن بتقليد الأصوات التي تصدر من سياراتهن المعطلة بهدف التعرف إلى أسبابها. كما يسألن عن بعض أضواء الرموز التي تظهر على لوح السيارة الداخلي، كعلامة الزيت الحمراء التي تحذّر من مشكلة في تزييت محرك السيارة.
أما الجزء المفضّل لديهن فهو تطبيق ما اكتسبنه من دروسٍ على السيارات. وفي الطابق السفلي أو ما يعرف "بالمرآب"، يرتدين الرداء الخاص بالتصليح والقفازات السميكة، ويباشرن بالتدرب على فكّ الإطارات وإعادة تركيبها، تغيير زيت السيارة، تركيب المساحات، وملاحظة قطع السيارة الداخلية من المحرك إلى المصابيح.
طموح وإصرار
تروي الشابة مروة شميس (18 عاماً) تجربتها لـ"المدن" في عالم تصليح السيارات، فهي تهوى جمع وتركيب قطع السيارات وقيادتها منذ صغرها. وهي التي تطمح إلى افتتاح كاراجها الخاص في بيروت. ومن أجل تحقيق حلمها اختارت اختصاص هندسة الميكانيك الجامعي، غير مبالية بالطابع الذكوري الطاغي على هذا المجال بفضل دعم والديها لها.
أما السيدة مها كنج (31 عاماً) متزوجة وأم لطفلين، فقد شاركت في هذه الدورة لأنها تمتعض من الاستغلال المادي الذي تتعرض له النساء من قبل مصلحي السيارات، الذين غالباً ما يحكمون عليهن بالجهل. تسارع مها إلى تطبيق ما تتعلمه في الدورة على سيارتها الخاصة خارج المركز. كما طالبت القيمين على هذه الدورة بالانتقال إلى مراحل أعلى لاكتساب خبرة أوسع، فتقول لـ"المدن": "إذا تسنت لي الفرصة للهجرة خارج لبنان، فلا أمانع العمل في تصليح السيارات. ولكن لا يخلو الأمر من بعض الصعوبات التي تواجهني، خصوصاً أثناء تغيير الإطارات التي تتطلب بنية جسدية قوية، ولكنني نجحت في ذلك بعد عدة محاولات ولم تكن عائقاً أمامي".
السيدة اليسار الزين (43 عاماً) أصبحت تترجل من سيارتها عندما تتعرض لعطل ما فتكتشف بنفسها المشكلة وتصفها لمصلح السيارات، مما يثير دهشته، فيتساءل بفضول "كيف تعرفين هذه المعلومة؟"، "هل يعمل والدك في تصليح السيارات؟".
وتضيف لـ"المدن": "خبرتي المكتسبة صارت تهدد أصحاب المهنة، وسأعمل على تطوير هذه المعرفة للتمكّن منها، فالمرأة التي تقود يجب أن تفهم سيارتها إذا تعرضت لعطل مفاجئ."
أما المتدربات اللواتي تعدين عمر الخمسين، فيرغبن بتعليم أبنائهن هذه المعلومات حتى يكونوا على قدرٍ من المسؤولية عندما يقودون السيارات، ويبررن مشاركتهن في مثل هذه الدورات بضرورة معرفة البديهيات.
خبرة واتقان
يقول المدرب في المركز التدريبي لصيانة الآليات، محمد صقر، "أن أهداف هذه الدورة تكمن بتعرف النساء على المبادئ الأولية لتصليح الآليات، ليعتمدن على أنفسهن، وليكتسبن مهارات عالية في تصليح السيارات وتغيير إطارات السيارة". ويتابع صقر لـ"المدن": "أكثر من 300 امرأة ترغب في اكتساب خبرة تصليح السيارات، بيد أن هذا الإقبال الكثيف دفع بالقيمين على هذا العمل إلى التفكير بتكثيف هذه الدورات لتتمكن المتدربات من الانخراط في سوق عمل تصليح السيارات في المستقبل بعد نيلها الشهادة اللازمة".
لا شك أن انخراط الإناث في هذا المجال يعكس أهمية إقامة ورشات مماثلة على مستوى كل لبنان. فمن حق كل امرأة أن تكون مثقفة في شتى المجالات، كما من حقها حتماً أن تمتهن المهنة التي ترغبها من دون الحكم عليها، كما لو أنها خرجت عن قالب الوظائف "الأنثوية". ومن يدري، ربما تكون الأيدي الناعمة "أفضل أحياناً".
المصدر: المدن