الأخبار والأنشطة

23 كانون ثاني 2023
ستون بالمئة من المنح المدرسية للأقلية الغنية: إلغاؤها واجب

لطالما كانت المنح المدرسية للقطاع العام تشكل حائطاً كبيراً أمام تطور التعليم الخاص على حساب التعليم الرسمي. تطور القطاع الخاص ووصل ليشكل أكثر من سبعين بالمئة من القطاع التربوي، وتراجع التعليم الرسمي ولا سيما في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. وشكلت المنح المدرسية لموظفي القطاع العام العقدة الأساسية لعدم دعم التعليم الرسمي، وكانت المفارقة أنه حتى الأساتذة كانوا يتقاضون المنح ويعلمون أبناءهم في المدارس الخاصة، لعدم ثقتهم بالتعليم الرسمي. ووصل لبنان خلال سنوات الأزمة الحالية إلى موجة نزوح معاكس من التعليم الرسمي إلى الخاص بلغت مستويات عالية بنحو 25 بالمئة من طلاب المدراس الرسمية، الذين فضل أهاليهم تعليمهم في المدارس الخاصة المجانية والشبه مجانية.

قانون يفجر لجنة التربية
في كواليس لجنة التربية النيابية ثمة أحاديث عن استعداد رئيس اللجنة حسن مراد لتقديم مشروع قانون لإلغاء المنح المدرسية للقطاع العام وتحويل تلك الأموال مباشرة إلى صناديق المدارس الرسمية. ما يؤدي حكماً إلى انتعاش القطاع الرسمي مستقبلاً، لكن الضرر سيقع على المدارس الخاصة، ولا سيما الكبرى منها. 
لم يتجرأ مراد عن الإفصاح عن هذا المشروع في لجنة التربية، بل تقتصر أحاديثه على همس لهذا الزميل أو ذاك. ويبدو أنه أدرك مخاطر هذا المشروع الذي سيؤلب كل المدارس الخاصة، المتحكمة بقطاع التربية ضده، قبل موظفي القطاع العام، عليه.

ولم يجرؤ على طرحه علانية في لجنة التربية، لأنه ربما أدرك أن مشروع القانون هذا قد يؤدي إلى زلزال يطيح باللجنة النيابية التي يرأسها في حال كان معمولاً وفق دراسة وخطة تربوية تنقذ التعليم الرسمي. ولم يعرف إذا كان سيقترن بوقف دعم المدارس الخاصة المجانية، والهدر الكبير في الدولة، الذي دمر التعليم الرسمي. وبالتالي لا يريد الإفصاح عنه للإعلام كي لا يسجل عليه، أو لأنه مجرد أفكار عابرة. هذا رغم أن هكذا مشاريع قوانين كان يفترض أن تكون "تحصيل الحاصل" في لبنان. فلا يوجد دولة في العالم تنفق على التعليم الخاص مثل لبنان فيما القطاع الرسمي مهملاً. وكشفت الأزمة المالية، مدى مساوئه، على كل الصعد. وكان أولى ضحايا هذه السياسات التربوية أساتذة التعليم الرسمي أنفسهم، الذين تحولوا إلى متسولين ينتظرون الدول المانحة لمساعدتهم.

توزع المنح
بعيداً من أن موظفي القطاع العام سيقفون بوجه هذا المشروع، ستكون المدارس الخاصة أول المتصدين له، لأنه سيحرمها من مصدر دخل أساسي، خصوصاً أن حجم المنح وصل إلى أكثر من 800  مليون دولار قبل انهيار العملة المحلية، تذهب للمدارس الخاصة والجامعات. ورغم أن حجم المنح (كان 120 مليار و200 مليون ليرة) في الوقت الحالي لم يعد مغرياً، إلا أن التحسب عند المدارس هو مستقبلي، أي بعد استقرار الوضع ورفع المنح بحسب مؤشر الغلاء.

وفق دراسة ستنشر قريباً عن "مركز الدراسات اللبنانية"، المتخصص بالتربية، يصل حجم المنح المدرسية التي تنفقها الدولة على القطاع العام (الموظفون وأفراد وضباط القوى الأمنية والعسكرية والقضاة وغيرهم) إلى نحو 800 مليون دولار سنوياً.

يختلف حجم المنح المدرسية من قطاع إلى آخر ومن فئة وظيفية إلى أخرى. فعلى مستوى القطاعات العسكرية والقوى الأمنية يختلف جحم المنح بحسب الرتب. فهي تصل إلى نحو 90 بالمئة من القسط المدرسي للرتب العالية، وتنخفض إلى أقل من ستين بالمئة للعسكر.

المنح المقدمة للموظفين في المصالح العامة (مثل الريجي وكهرباء لبنان وسكك الحديد وغيرها) تحتسب على أساس المعدل الوسطي لأقساط أغلى عشر مدارس في لبنان. وتصل المنحة المدرسية إلى تغطية نحو تسعين بالمئة من المعدل الوسطي للقسط المدرسي هذا.

بالنسبة للمنح التي يحصل عليها القضاة فهي تفوق التسعين بالمئة من القسط المدرسي، وكذلك الأمر بالنسبة لأساتذة الجامعة. أما بما يتعلق بالأساتذة في التعليم الأساسي والمتوسط والثانوي والمهني وموظفي الإدارات العامة فتختلف المنح بحسب الفئات الوظيفية، وتتراوح التغطية بين ستين وتسعين بالمئة من القسط المدرسي. علماً أن نحو 80 بالمئة من المنح تذهب للتعليم الخاص ما قبل الجامعي وعشرين بالمئة للتعليم الجامعي.

المنح الكبيرة للأقلية الغنية
بيد أن ما تكشف عنه الدراسة والتي تعتبر فضيحة كبرى في المنح المدرسية هي أن أكثر من ثمانين بالمئة من المنح تذهب للأغنياء ومتوسطي الدخل. هذا فيما مبدأ المنحة أو المساعدة عالمياً تخصص للفئات الضعيفة.

بحسب توزع فئات المجتمع بسحب مستوى الدخل، تكشف الدراسة عن أن فئات الأغنياء تحصل على ستين بالمئة من المنح المدرسية (كبار الموظفين). وفيما يذهب نحو عشرين بالمئة من المنح لمتوسطي الدخل (فئات وظيفية متوسطة)، تسفيد فئة الفقراء (الفئات الوظيفة الدنيا) من أقل من عشرين بالمئة من المنح، على الرغم من أنه عددياً هذه الفئة هي أكبر من باقي الفئات. بمعنى آخر أكبر شريحة مالية من منح القطاع العام تذهب للفئات الغنية، رغم أنها عددياً أقل من متوسطي الدخل والفقراء. وبشكل أدق، أبناء الموظفين من الفئات الثالثة وما دون في القطاع العام يستفيدون من أقل من عشرين بالمئة من المنح، لكنهم الأكثر عدداً بين الطلاب الذي يحصلون على منح القطاع العام.

المنح لكبرى المدارس
بحسب توزع فئات المجتمع اللبناني وحجم المنح بحسب الفئات الوظيفية، تكشف الدراسة أن الشريحة المالية الأساسية من المنح المدرسية (60 بالمئة من المنح) تذهب لدعم المدارس الكبيرة. أي عملياً تستفيد نحو 133 مدرسة كبيرة، من أصل 1200 مدرسة خاصة غير مجانية، من الجزء الأكبر من المنح.

كان حجم المنح نحو 120 مليار و200 مليون ليرة، أي نحو 800 مليون دولار في الأعوام التي سبقت الأزمة. وقد يكون هذا المبلغ في الوقت الحالي، أي على سعر صرف السوق السوداء، مجرد "فكة" بالدولار (لا تصل إلى 25 مليون دولار على سعر صرف خمسين ألف ليرة). لكن في حال كان المشرع يريد فعلاً دعم التعليم الرسمي، ويصبح لبنان بلداً طبيعياً، يجب ألا يقتصر الأمر على إلغاء المنح المدرسية، بل إلغاء دعم المدارس المجانية (نحو 350 مدرسة) أيضاً. وهذا لا يتم إلا من خلال وضع خطة تربوية تضع التعليم الرسمي كأولوية. وهذا يتناقض مع أولويات رئيس لجنة التربية، الذي يتربع على مؤسسات تربوية تبغي الربح، وتستفيد من انهيار التعليم الرسمي.  

المصدر: المدن

وليد حسين

من نحن

تطلّعاتنا هي تأمين عمل لائق ودخل مستدام ومستقر لضمان التنوع الصحي للمجتمع اللبناني والعمل على تشجيع الأفراد اللبنانيين على المساهمة الفعالة في بناء الأمة من خلال مؤسسات القطاع العام.