الأخبار والأنشطة

28 أيلول 2022
خراب التعليم...

كلما توغلنا في بنود الموازنة التي رفعت رواتب موظفي #القطاع العام ومن بينهم اساتذة #التعليم الرسمي، ثلاثة أضعاف بزيادات لإرضاء الشارع، نتساءل عن الطريقة التي قاربت فيها السلطة المطالب والملفات الشائكة لحل الأزمات، فإذا بها تؤججها وتراكم المشكلات طالما أنها تعالجها بطريقة تقنية تنطلق من شعبوية قاتلة. المفارقة أن الموازنة التي درستها اللجان النيابية كانت أحيلت من الحكومة قبل أن تتحول إلى تصريف الاعمال في الوقت الذي كان في إمكانها أن تقوم بمعالجات إنقاذية لكل القطاعات بما فيها التعليم والجامعة، وذلك إذا توافرت الإرادة السياسية الانقاذية بعيداً من المحاصصات والحسابات الخاصة والشروط التي قضت على اي أمل بالإنقاذ. وعلى هذا راهن الأساتذة على إقرار الموازنة لتصحيح رواتبهم، شرطاً للعودة إلى التعليم والبدء بالسنة الدراسية الجديدة، لندخل في أزمة جديدة عنوانها المطالبة المستمرة بزيادات من دون الاكتراث لمستقبل التعليم ومصيره المجهول.

 


ليست الزيادات المالية بالطريقة التي أقرت بها حلاً لمشكلات التعليم. فالموازنة التي أقرها النواب بالاكثرية لا تتصدى للأزمة بنيوياً طالما أنها لا تستند إلى رؤية انقاذية بالتوازي مع زيادة الرواتب، وإلا إننا سنشهد على مطالبات بتصحيح مستمر وإضرابات وتعطيل للتعليم لا يسلم منه التعليم الرسمي ويأخذه إلى الخراب حيث تهجره أعداد كبيرة من تلامذة المدارس الرسمية إلى الخاص فيما انطلاق الدراسة غير محدد نهائياً وقد يكون بلا افق أمام أكثرية ال#لبنانيين. ولو كان لدى السلطة رؤية إنقاذية شفافة لكانت النظرة إلى القطاعات مختلفة، أقله أن تتضمن مقاربات شاملة للتعليم مثلاً، تواجه الازمة، ليس فقط من زاوية مالية، بل من خطط تستشرف الآفاق وتؤسس لمواجهة الازمات التي تتناسل من قلب الانهيار وتُحرر التعليم من الاعتقال، وشرط ذلك النظر إلى اعتبار المدرسة مؤسِسة والجامعة رافعة للخروج من الازمات.

الكلام هنا ليس موجهاً إلى وزارة التربية، فهي لا تُحسد على الوضع الذي تعانيه، والحل ليس على عاتقها وحدها، بل يترتب على الجميع. وإذا كان وزير التربية يسعى إلى انطلاق العام الدراسي في الرسمي وتأمين استمرارية التعليم، فما لم تُسعفه مقاربات انقاذية وخططاً شاملة تتولاها الحكومة ومجلس النواب، لن يكون في الإمكان الحفاظ على التعليم الرسمي، وأيضاً ما لم تتحمل المكوّنات التربوية والأساتذة مسؤولياتهم بتعامل مرن مع قضايا التربية ومن بينها المطالب، سيتفاقم المأزق إلى ما لا نهاية، علماً أنه يُسجل للتربية أنها تمكنت من تأمين تمويل من الجهات المانحة ساهم في إنقاذ العام الدراسي الماضي.

لكن التربية مطالبة بأكثر من ذلك وحسم العديد من الملفات التي تساهم في استقرار التعليم ووقف تمدد أزماته. البحث عن سبل أخرى لتأمين الأموال هو سيف ذو حدين، إذ كلما تمكن وزير التربية من توفير منح مالية وهبات من برامج دولية لتأمين استمرارية التعليم، تتخلى السلطة عن تعهداتها ومسؤولياتها في الدعم والرعاية، وهذه مفارقة ظهرت في العام الماضي حيث حُجزت المساعدات الاجتماعية لاشهر بحجة عدم توافر الأموال. نعود هنا إلى الموازنة أيضاً والتي لم تنظر إلى الجامعة اللبنانية كمؤسسة رافعة. لا خطة ولا ميزانية تنقذها فعلاً من حالة الانهيار، فيما نشهد هجرة لاساتذتها في كليات متخصصة بحثاً عن الأمان.

سننتظر ما ستؤول إليه وجهة السنة الدراسية الجديدة، وما إذا كانت ستنطلق في الرسمي بعد فرض المدرسة الخاصة دولرة جزء من الأقساط. لكن المسار الذي نشهده عموماً يؤدي إلى خراب التعليم.

المصدر: "النهار"

ابراهيم حيدر

من نحن

تطلّعاتنا هي تأمين عمل لائق ودخل مستدام ومستقر لضمان التنوع الصحي للمجتمع اللبناني والعمل على تشجيع الأفراد اللبنانيين على المساهمة الفعالة في بناء الأمة من خلال مؤسسات القطاع العام.