لا تظهر في الأفق مؤشرات تدل على إمكان البدء بالسنة الدراسية الجديدة في المدرسة الرسمية، فيما تتحضر #المدارس الخاصة للانطلاق ب#التعليم رغم الخلاف حول دولرة الاقساط والتي تُسعر في بعض المدارس وفق حركة السوق. ولا تزال رابطات التعليم في القطاع الرسمي على موقفها بمقاطعة اللدراسة إلا بعد تحقيق المطالب بتصحيح الرواتب ودفع بدلات النقل وتأمين المحروقات، وتسديد المتاخرات من المساعدات الاجتماعية والمنح التي تقدمها الجهات المانحة. وقد بات واضحاً أن الأزمة اليوم في ظل الانهيار في البلد وتفكك المؤسسات هي أخطر بكثير في القطاع التربوي من الأعوام السابقة، حيث الدراسة مهددة خصوصاً في التعليم الرسمي.
جرت محاولات كثيرة خلال الأشهر الماضية نجحت فيها التربية بتأمين منح من الجهات المانحة للاساتذة، إضافة إلى مساعدات اجتماعية من الحكومة، وتمكنت رغم كل الصعوبات من استكمال العام الدراسي بتعويض نسبي للفاقد التعليمي وإجراء الامتحانات، وهما شكلا قاعدة لمسار جديد يؤسس لانطلاقة جادة للتعليم، حيث يتحمل الجميع المسؤولية لتأمين المقومات الاساسية التي يستحيل معها الوصول إلى المدرسة ما لم تقدمها الدولة والمانحين. لكن ما لم يكن في الحسبان أن الانهيار وصل إلى ذروته، في وقت لا يبدو أن التعليم لدى الطبقة الحاكمة أو الفريق الذي يتولى شؤون البلد، هو من الاولويات. حُجزت المساعدات المالية ونُصبت المتاريس في وجه التربية من داخل الحكومة نفسها، وبات الجميع يعبث بهذا القطاع علماً أن الحكومات كلها لم تكن تتعامل مع المدرسة الرسمية إلا بالتنفيعات والتوظيف، فدفعت أثماناً باهظة نتيجة تلك سياسات المدمرة.
الأزمة اليوم هي الاخطر في تاريخ التعليم، فما لم يتم التوافق على بدء السنة الدراسية في سيكون مصير نحو 320 الف تلميذ وتلميذة في الرسمي أمام المجهول، وسيعاني التعليم من ارتدادات السياسات التي أوصلته إلى الجحيم، مهدَداً بوجوده، وهو ما يرتب مسؤوليات كبرى على الدولة وأيضاً المعلمين وسائر مكونات المدرسة. الوضع المزري الذي يمنع حتى الآن افتتاح السنة الدراسية والبدء بتسجيل التلامذة لا تحله اقتراحات البعض العبثية بإعلان حالة طوارئ تربوية ترفع المسؤولية عن المتسببين بوصولالتعليم إلى هذا التعثر، بل بتحملها ودعم الجهود التي تقوم بها التربية وتأمين مقومات الحد الادنى لبقاء المدرسة واستمرارية التعليم، وإلا فإننا سندخل في النفق المظلم حيث لا يبقى للتعليم الرسمي سوى بعض الزواريب التي تتحكم بها البيئات الأهلية والطائفية وتستثمرها كما تريد في مشاريعها وضمن محمياتها الضيقة والخاصة.
الأولوية اليوم هي لإنقاذ المدرسة والتعليم، ولا صوت يجب أن يرتفع إلا ضمن هذه المعادلة، والانقاذ هو لبقاء المدرسة واستمرارها بعيداً من المزايدات الشعبوية التي ترفع شعارات عفا عليها الزمن بعدما جرى العبث بالتعليم في طوال سنوات إلى أن بتنا نسمع بمكونات طفيلية تتحكم بالمدرسة ومستقبلها، تارة تعطل الدراسة وتارة أخرى توظفها قوى للتخريب، وثالثة تبقى عصية على التسويات، فيما الجسم التعليمي الحقيقي ينوء تحت أعباء ضاغطة لا يستطيع معها الصمود ما لم تؤمن له المقومات الضرورية لحماية المدرسة.
هناك محاولات جادة يبذلها وزير التربية بالعلاقة مع الجهات المانحة، وأيضاً مع الحكومة للتمكن من توفير الحد الادنى من المساعدات والمنح، علماً أن المدرسة الرسمية تستضيف عشرات الآلاف من اللاجئين، وهو ما يرتب مسؤوليات مضاعفة على المانحين لدعم التعليم في #لبنان. الازمة لا تتحملها التربية وحدها، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم لانقاذ المدرسة.
المصدر: "النهار"
ابراهيم حيدر