رغم حاجة البلد الماسة للكوادر البشرية المتعلمة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظل موجة الهجرة التي تضرب لبنان منذ قرابة العامين، تستمر السلطات الرسمية اللبنانية باستنزاف ما تبقى من قدرات مالية للطلاب اللبنانيين في الجامعات الأجنبية، فتطبق عليهم قراراتها بمضاعفة الرسوم والعمولات والبدلات، التي تتقاضاها السفارات والقنصليات اللبنانية في دول العالم بالتساوي مع اللبنانيين المغتربين. وكيف للدولة أن تدعي السعي لمساعدة الطلاب بحفنة من الدولارات، في حال صدقت، في حين أنها تكبّدهم ثمن معاملات وتواقيع وتصديقات في السفارات والقنصليات، تفوق أي مساعدة مالية قد تأتي عن طريقها. أما أين تُنفق الأموال في السفارات والقنصليات، فتلك حكاية أخرى.
"لو أن الدولة اللبنانية تسعى حقاً لمساعدتنا لكانت أعفتنا من تكلفة المعاملات في القنصلية.. فالدولارات التي أسددها ثمن أي مصادقة ويعود إيرادها للدولة اللبنانية، يرسلها إليّ والدي من لبنان، والدي الذي يشتري الدولارات من السوق السوداء، في وقت يحتجز المصرف أمواله منذ بداية الأزمة". هذا ما يقوله طالب في إحدى جامعات بيلاروسيا. فالطلاب يُنهَكون من ثمن المعاملات التي يسددونها في السفارات والقنصليات، وإن كانت تكلفة بعضها 15 دولاراً أو 20 أو 40 دولاراً إلا أن تلك الدولارات تشكل عبئاً على أهاليهم، يُضاف إلى أعباء كثيرة تبدأ من الأقساط الجامعية ولا تنتهي في مساكن الطلاب ومعيشتهم.
وحسب المصدر فإن آلية الإنفاق في السفارت والقنصليات، من شأنها أن تفتح الباب أمام هدر بالإيرادات، أو ربما فساد في الصرف. فالآلية تقوم على اقتطاع السفارة أو القنصلية موازنتها من الإيرادات المالية الواردة إليها، قبل تحويل باقي المبلغ إلى خزينة وزارة الخارجية، ومنها إلى وزارة المال. وعلى الرغم من وجود آلية رقابية على إنفاق السفارات والقنصليات، غير أنه من الصعب ضبط عملية الإنفاق فيها جميعها، ومن السفراء والقناصل من تحوم حولهم شبهات فساد.
وإذ يرى المصدر الديبلوماسي أنه من غير الممكن أن يتم التعامل مع الطلاب اللبنانيين في الخارج بخلاف باقي اللبنانيين غير المقيمين، "إلا إذا صدر بشأنهم تعميم واضح من شأنه أن يعفيهم من بعض التكاليف والأعباء العائدة إلى السفارات والقنصليات".
طالب آخر يدرس في إحدى جامعات روسيا يشرح لـ"المدن" عن معاناة والديه لتأمين 200 دولار له شهرياً فيقول "والدي يعمل ليلاً ونهاراً ليشتري مبلغاً من الدولارات من السوق السوداء"، ويسأل ألم يكن بإمكان الدولة اللبنانية إعفاءنا من تلك الرسوم كمبادرة دعم، أقلّه لإثبات صدق نواياها بحرصها على إتمام تعليمنا في الخارج.
ويسأل الطالب هل من العدل أن تبلغ تكلفة السجل العدلي في لبنان 2000 ليرة لبنانية ثمن طوابع، في حين تبلغ تكلفته في القنصلية 30 دولاراً يتم سدادها من قبل الطلاب، من أموال محوّلة من ذويهم في لبنان، والدولة عالمة بوضع الدولار وسعره في السوق السوداء، واحتجاز المصارف للودائع ورفضها تطبيق قانون الدولار الطلابي؟