الأخبار والأنشطة

24 تشرين ثاني 2021
طلاب لبنانيون في الخارج: السفارات والقنصليات تستنزف أموالنا

رغم حاجة البلد الماسة للكوادر البشرية المتعلمة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظل موجة الهجرة التي تضرب لبنان منذ قرابة العامين، تستمر السلطات الرسمية اللبنانية باستنزاف ما تبقى من قدرات مالية للطلاب اللبنانيين في الجامعات الأجنبية، فتطبق عليهم قراراتها بمضاعفة الرسوم والعمولات والبدلات، التي تتقاضاها السفارات والقنصليات اللبنانية في دول العالم بالتساوي مع اللبنانيين المغتربين. وكيف للدولة أن تدعي السعي لمساعدة الطلاب بحفنة من الدولارات، في حال صدقت، في حين أنها تكبّدهم ثمن معاملات وتواقيع وتصديقات في السفارات والقنصليات، تفوق أي مساعدة مالية قد تأتي عن طريقها. أما أين تُنفق الأموال في السفارات والقنصليات، فتلك حكاية أخرى.

لا إعفاء للطلاب
لم تنجح الدولة في لبنان في حماية حق الطلاب بالتعلم. كما لم تتمكن من إلزام المصارف تطبيق قانون الدولار الطلابي، أو بالإفراج عن أموالهم أو جزء منها لسداد أقساطهم ونفقاتهم. حتى المساعدة المالية التي وعدت بها وزارة التربية الطلاب في الخارج لم تسلك مسارها الجدي حتى اللحظة، ولم يُبلغ المعنيون السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج بضرورة تسلم طلبات الاستفادة من الطلاب، علماً أن المهلة النهائية لتقديم الطلبات شارفت على الانتهاء آخر شهر تشرين الثاني الحالي. الدولة اللبنانية لم تقم بأي مبادرة حتى اللحظة، تُظهر حرصها على إتمام الطلاب اللبنانيين في الخارج تعليمهم. لم تقدم أي تسهيلات أو أي شكل من أشكال دعم الطلاب في مسيرتهم العلمية، تعكس تحسسها للمسؤولية عما ألمّ بهم وبذويهم من ضغوط أضعفت قدرتهم على المضي في مسيرتهم التعلّمية.

"لو أن الدولة اللبنانية تسعى حقاً لمساعدتنا لكانت أعفتنا من تكلفة المعاملات في القنصلية.. فالدولارات التي أسددها ثمن أي مصادقة ويعود إيرادها للدولة اللبنانية، يرسلها إليّ والدي من لبنان، والدي الذي يشتري الدولارات من السوق السوداء، في وقت يحتجز المصرف أمواله منذ بداية الأزمة". هذا ما يقوله طالب في إحدى جامعات بيلاروسيا. فالطلاب يُنهَكون من ثمن المعاملات التي يسددونها في السفارات والقنصليات، وإن كانت تكلفة بعضها 15 دولاراً أو 20 أو 40 دولاراً إلا أن تلك الدولارات تشكل عبئاً على أهاليهم، يُضاف إلى أعباء كثيرة تبدأ من الأقساط الجامعية ولا تنتهي في مساكن الطلاب ومعيشتهم.

رفع الرسوم والمعاملات
مؤخراً، أصدرت الدولة اللبنانية قراراً، قضى برفع الرسوم والمعاملات في السفارات والقنصليات بنحو الضعف، مقابل التشدّد بالنفقات وآلية الصرف عموماً. ويفيد مصدر في إحدى السفارات اللبنانية في الخارج في حديث إلى "المدن"، بأن هناك تشدداً كبيراً اليوم من قبل وزارة الخارجية على آلية الإنفاق في السفارات والقنصليات اللبنانية، ليس بسبب الأزمة الاقتصادية ومحاولة ضبط النفقات وحسب، بل أيضاً لأن العديد من السفارات والقنصليات تدور حول إنفاقها الشكوك. وقد بلغت الوزارة شكاوى بحق بعضها.

وحسب المصدر فإن آلية الإنفاق في السفارت والقنصليات، من شأنها أن تفتح الباب أمام هدر بالإيرادات، أو ربما فساد في الصرف. فالآلية تقوم على اقتطاع السفارة أو القنصلية موازنتها من الإيرادات المالية الواردة إليها، قبل تحويل باقي المبلغ إلى خزينة وزارة الخارجية، ومنها إلى وزارة المال. وعلى الرغم من وجود آلية رقابية على إنفاق السفارات والقنصليات، غير أنه من الصعب ضبط عملية الإنفاق فيها جميعها، ومن السفراء والقناصل من تحوم حولهم شبهات فساد.

وإذ يرى المصدر الديبلوماسي أنه من غير الممكن أن يتم التعامل مع الطلاب اللبنانيين في الخارج بخلاف باقي اللبنانيين غير المقيمين، "إلا إذا صدر بشأنهم تعميم واضح من شأنه أن يعفيهم من بعض التكاليف والأعباء العائدة إلى السفارات والقنصليات".

تكلفة المعاملات
تبلغ تكلفة تجديد الباسبور لعام واحد ما لا يقل عن 60 دولاراً مرتفعة من 40 دولاراً، أما ختم شهادة الديبلوم فتبلغ 45 دولاراً. والاستحصال على سجل عدلي يكلّف 40 دولاراً. فكيف يمكن لطالب لبناني يعمل بموازاة دراسته في جلي الاطباق بأحد المطاعم أو بائع بإحدى المكتبات ليؤمن تكلفة سكنه ومعيشته، أن يتحمل أعباء معاملات وتصديقات تفاقم الأعباء عليه.

طالب آخر يدرس في إحدى جامعات روسيا يشرح لـ"المدن" عن معاناة والديه لتأمين 200 دولار له شهرياً فيقول "والدي يعمل ليلاً ونهاراً ليشتري مبلغاً من الدولارات من السوق السوداء"، ويسأل ألم يكن بإمكان الدولة اللبنانية إعفاءنا من تلك الرسوم كمبادرة دعم، أقلّه لإثبات صدق نواياها بحرصها على إتمام تعليمنا في الخارج.

ويسأل الطالب هل من العدل أن تبلغ تكلفة السجل العدلي في لبنان 2000 ليرة لبنانية ثمن طوابع، في حين تبلغ تكلفته في القنصلية 30 دولاراً يتم سدادها من قبل الطلاب، من أموال محوّلة من ذويهم في لبنان، والدولة عالمة بوضع الدولار وسعره في السوق السوداء، واحتجاز المصارف للودائع ورفضها تطبيق قانون الدولار الطلابي؟

 

يعاني الطلاب اللبنانيون خارج لبنان من ارتفاع تكلفة المعاملات والرسوم المفروضة عليهم من القنصليات والسفارات اللبنانية في الخارج، فلا تقل تكلفة أي معاملة أو تصديق عن 30 دولاراً بعد مضاعفتها مؤخراً، في حين يزيد سعر جواز السفر عن 250 دولاراً، قبل أن تتم مضاعفة التكلفة. أما الأختام، فلا يقل سعر الختم مهما كانت دواعيه عن 30 دولاراً، وقد تضاعف السعر إلى 45 دولاراً. ووفق أحد الطلاب اللبنانيين في إحدى الجامعات الروسية، فتكلفة الختم أو المعاملة لا تقتصر على سعرها الذي يعتبر مرتفعاً جداً، بل أيضاً هناك تكلفة "الموظف". في إشارة منه إلى شيوع الرشى بين العاملين في السفارة.
 
بعد هذا كله، من البديهي القول أن عدداً من الطلاب يجد أن خفض رسوم معاملات السفارات والقنصليات خارج لبنان عن الطلاب واستثنائهم من تكلفتها، يساهم بشكل غير مباشر بالتخفيف عن عاتق أهاليهم في لبنان، خصوصاً أولئك الذين يشترون الدولارات من السوق السوداء.
 
 مقال من موقع جريدة المدن عزة الحاج حسن نُشر في 23/11/2021 

من نحن

تطلّعاتنا هي تأمين عمل لائق ودخل مستدام ومستقر لضمان التنوع الصحي للمجتمع اللبناني والعمل على تشجيع الأفراد اللبنانيين على المساهمة الفعالة في بناء الأمة من خلال مؤسسات القطاع العام.