الأخبار والأنشطة

29 كانون أول 2021
الـ365 يوماً... الاستشهادية!

كتب نبيل بو منصف في النهار بتاريخ 29 كانون الاول 2021 

لا يفترض الشك إطلاقاً في أن لا حدث عالمياً خلال سنة 2021 يتقدّم الثورة الطبّية والدوائية التي سجّلت عبرها شركات الأدوية العملاقة التوصّل في وقت قياسي تاريخي الى اللقاحات المضادّة لوباء كوفيد 19، إذ تحوّلت مع هذا التطوّر كل الأحداث العالمية التقليدية الأخرى الى مجرّد "عناوين فرعية". مع ذلك، ها هي السنة "تقفل" على تفلت مرعب في الجائحة المطبقة مخالبها على البشرية بتفلت المتحوّر المتوحّش بسرعته "أوميكرون"، مهدّداً بإصابة ما يناهز ثلاثة مليارات إنسان!

 
ليس في ما تقدّم إلا التمهيد لسؤال أشدّ "إفجاعاً": إن كان العالم الأكثر تطوّراً وتقدّماً مُني بهذه الصدمة في نهايات السنة رغم إنجازه التاريخي، فبأيّ معيار ترانا سنقيس السنة اللبنانية الراحلة قبل أن نقارب السنة الوليدة؟ بل أكثر، هل نجرؤ على استعمال معايير معترف بها عالمياً في قياس بؤسنا الفائض أم نركن الى خصوصيات الواقع اللبناني الغارق في انهياراته؟

الحال أنه في واقع انهياري مطبق على لبنان للسنة الثالثة، تغدو النظرة الى الوراء مرهقة وشاقة وشديدة الصعوبة، إذ يكفي اللبناني أنه لا يحتمل مرور يومه المثقل بما يرى ويتوقع ولا يرى ولا يتوقع من صدمات وأزمات ومتاعب تثقل كاهله وتحوّله الى المواطن الأشدّ بؤساً الذي يتصدّر قائمة مواطني البلدان الأكثر تعاسة في العالم، فكيف تريده بهذه الأثقال أن يعود 365 يوماً الى الوراء؟ وما أدراك ما هذه الوقفة القاتلة بضيقها لبقايا ما يحتمل؟
 
لقد كانت سنة الإعلان الحاسم لقتل ذاك اللبنان الذي ظلّ يقاوم بقايا تعلقه بخصائصه التاريخية، فإذا بالانهيار المتدحرج يتفلّت بقوّة ساحقة ويقضي عليه و"يستشهده" شرّ استشهاد. في كلّ اتجاه من السياسات العبثية "العليا"، إن كان يجوز بعد في لبنان أن نطلق صفة كهذه على أيّ سياسات وأيّ مسؤولين أو حكّام وأيّ سياسيين، الى أيّ قطاع عامّ أو خاصّ، لم يسبق في تاريخ تكوين لبنان أن صار أرض هروب وتوق الى الهروب وطموح الى أكبر الهجرات التي عرفها كما حملت إليه السنة الآفلة هذه من تراكمات اليأس المطبق.
 
يغدو الى أقصى درجات الهزل والعبث أن نراجع سجلّ الـ365 يوماً من الأول من 2021 الى نهايتها ما دمنا لا نملك، نحن اللبنانيين، ضمان مرور اللحظات الفورية الآتية من دون أن تنهمر كوارث متوالدة وفورية على رؤوسنا، في ظلّ ما يصطلح العالم على تسميته دولة وسلطة وحكماً، فيما فقدنا في لبنان أيّ قدرة على استنباط الأوصاف لهذا الشيء المقيت المقزز الذي يردّده الإعلام والرأي العام بتسمية مبتذلة هي "المنظومة".

تخيّلوا رئيس الجمهورية يأبى إلا أن يتحفنا بآخر مآثره في السنة الراحلة وعلى مشارف سنة نهاية عهده الأسوأ في تاريخ العهود، بأن يتلاعب بعقولنا مجدّداً ويحاول عبثاً غسل يديه من المسؤولية الأولى والكبرى في انهيار لبنان في عهده، ويهاجم "المنظومة" كأنه منها براء. ولكن عند مشارف نهاية السنة ترانا في مكان آخر لم نعد معه نستشعر أيّ أثر أو وجود أو أهمّية لكل الهيكل العتيق المتهاوي في ما يسمّى سلطة، من رأس الهرم السلطوي والسياسي الى أسفله.

 
هي سنة سيسجّل أنها تفوّقت تاريخياً في سجل اللبنانيين، ولعله الظلم بذاته أن ترمى التبعة على السنة الآفلة لا على الذين لم يُبقوا من لبنان إلا تاريخ كارثة الانهيار.
 
كل مقال او منشور مهما كان نوعه لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي صاحبه
 

من نحن

تطلّعاتنا هي تأمين عمل لائق ودخل مستدام ومستقر لضمان التنوع الصحي للمجتمع اللبناني والعمل على تشجيع الأفراد اللبنانيين على المساهمة الفعالة في بناء الأمة من خلال مؤسسات القطاع العام.