الأخبار والأنشطة

03 أيلول 2018
عن أحوال الجامعة اللبنانية بقلم الدكتور ناصر زيدان

امَّا وقد فُتِح منبر النهار امام أقلام اساتذة ومهتمين ومفكرين ناقشوا شؤون الجامعة اللبنانية، ذلك تحفيزاً لحشريةٍ كامنة، تدفع بإتجاه وضع بعض الملاحظات، او المقاربات التي قد تُساهم في نقاشٍ هاديء عن احول الجامعة، وما لها وما عليها.

يمكن القول ان الجامعة اللبنانية تتعرَّض لما يُشبه الهجمة البرجوازية من بعض النُخبٍ ذات المكانة، ولكن هذه النُخَب غالباً ما تتبنَّى غرضية طبقية او نفعية او طائفية او حزبية. بالمقابل فعلى الجامعة اللبنانية مسؤولية لا يمكن تجاهُلها، من حيث بعض اوجُه الإختلال التي يعتري جوانب فيها. وبين هذه وتلك من كرّ وفرّالهجوم والدفاع؛ يمكن تحميل بعض القيادات الوسطية للاحزاب السياسية، كما بعض الاساتذة؛ مسؤولية عن جوانب الإختلال، او عن ” كشف ” الجامعة امام أقلام المهاجمين، بحيث اعطى هؤلاء فرصة ذهبية لإصحاب النوايا المُبيتة، او الذين ما أحبوا الجامعة اللبنانية في يومٍ من الأيام.

نختلف مع ما ذكره بعضهم في ان الجامعة في وضعٍ صعب، او انها في زمن التداعي. على العكس من ذلك: تُثبت نتائج أغلبية الكليات أن خريجي اللبنانية في مستوىً لائق من حيث الملاءة العلمية، ومن حيث الإعتبارات الذاتية – او الشخصية – لهؤلاء الخريجين، وتلك الواقعة مُثبتة بالقرائن والشهود. ومن القرائن والشهود؛ نتائج المباريات التي يُجريها مجلس الخدمة المدنية ومجلس القضاء الاعلى ووزراة الخارجية، كما تشهد على هذه المكانة العلمية المتقدمة لطلاب اللبنانية؛ الشركات الكبرى التي تستوعب يداً عاملة في مجالات الهندسة وادارة الاعمال والمحاسبة، وفي مجالات التعليم والصحة والطب. حيث ان هذه الجهات بغالبيتها مرتاحة للمستوى العلمي الذي يتمتع به خريجوا اللبنانية في هذه المجالات.

إستهداف اللبنانية من جهات على صلة بجامعات خاصة؛ ليس بالامر الجديد، وقد أُضيف لغرضية الإستهداف بعض الذين يعتبرون ان ميزان التركيبة الديمغرافية – او الطائفية – على مستوى عدد الطلاب او الموظفين او حتى الأساتذة ليست في مصلحتهم. وبعض الهجمات الإعلامية على إدارة الجامعة تقف وراءها الحسابات الطائفية. فكما ان الجامعة اللبنانية لا يمكن ان تستوعِب كل طلاب لبنان، بالمقابل فإنها حتى الأن هي الجامعة الأكبر في لبنان، وال 74 الف طالب فيها، يمكن ان يكونوا ثروة لدى الجامعات الخاصة إذا ما تراجعت مكانة الجامعة، وذهب هؤلاء الطلاب – او قسم منهم – الى الجامعات الخاصة ال45، ومنها جامعات عريقة وراقية، ومنها المُبتدأة، او المشكوك بمستواها العلمي، او المُتهمة بإنحرافها الإخلاقي، بحيث يوجد حالياً ملفات قضائية بحق بعضها امام المحاكم، بتهمة التزوير، او بيع شهادات.

لا يمكن الدفاع عن التدخلات الشخصانية لمسؤولين في بعض الأحزاب في شؤون الجامعة. وهذه الممارسات أساءت الى مكانة الاستاذ الجامعي بشكلٍ خاص، ودفعت بمكانة بعض المشكوك بكفأتهم الى الامام، كما اعاقت تقدُّم بعض الأساتذة المشهود لهم الى المراتب الأعلى. وقد بدى واضحاً ان بعض هؤلاء ظُلموا في ملفات الترقية لأسباب تتعلَّق بمناقبيتهم، بينما نعِمَ بعضهم الآخر بالمرور ” على الخط العسكري ” في ملفات الترقية، ولا تتحمَّل إدارة الجامعة مسؤولية عن هذا الامر، بل المسؤولية تقع على بعض الأساتذة الذين يُقدمون الإعتبارات الشخصية والشوفينية على الإعتبارات الأُخرى.

 

وغذا كنا قد اوردنا الملاحظات اعلاه من منطلقاتٍ موضوعية، وحرصاً على سمعة الجامعة، وعلى سمعة الاحزاب والاساتذة في آن؛ إلا اننا لا نوافق على بعض التحليلات التي وردت في مقالات نُشرت في جريدة النهار، ومنها يمكن إعتباره تفكير إقصائي، لا يعترف بالغنى التي التي تؤدي اليه الحزبية الراقية التي تستولِد تنوعاً يُغني الحياة الآكاديمية، كما الحياة السياسية. وإنكار حق الاساتذة بالإنتماء الى الأحزاب، او في تبني مقاربات فكرية وايديولوجية؛ فيه شيء من المُبالغة الأوُتوقراطية، وفيه ظلم للإستاذ الجامعي الذي يُعتبر بمثابة النبع الذي تتدفَّق منه الافكار السياسية والعقائدية، او انه مصدر تصويب للإعوجاج الفكري الذي يضرُب مساحات واسعة من الواحات الثقافية والعلمية المُعاصرة.

خرَّجت الجامعة اللبنانية قادة سياسيين من مختلف الإتجاهات، ومنهم رؤوساء ووزراء ونواب وقادة احزاب ورأي. وكانت مساحة حرية للتفاعُل الثقافي بين شرائح المجتمع اللبناني – وما زالت – رغم سياسة التفريع التي ضربت بعض التنوع في الصميم. امَّا فرض صورة طوباوية على الأساتذة وتجريدهم من تفاعليتهم السوسيو بوليتيكية؛ فلا يخدم تطور الجامعة إطلاقاً، وقد يًضفي بعض النقص على ماكينة إنتاج النُخب السياسية، ومكانها الطبيعي في قاعات التفاعُل الفكري او العلمي في الجامعات.

اما مفهوم الحزبية الضيقة – او التحزُّب النفعي الأعمى – فهو الذي يجب إبعاده عن الجامعة، ويجب ان يبتعِد عنه بعض الذين تناولوا شؤون الجامعة في الإعلام.

الإنتساب للأحزاب ليس عيباً أكايمياً او فكرياً؛ فالحزبية الراقية إلتزام بقضايا الناس ومندرجات التطور الفكري والعلمي، وهذه الحزبية تختلف عن التحزُّب السطحي السخيف.

كمال جنبلاط مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي قال في هذا السياق: إذا خُيرت بين ضميرك وحزبك؛ فأختر ما يمليه عليك الضمير، لأن الانسان يمكن ان يعيش من دون حزب، ولكنه لايمكن ان يعيش إنساناً من دون ضمير.

الدكتور ناصر زيدان

النهار-3-9-2018

https://newspaper.annahar.com/article/853360-%D8%B9%D9%86-%D8%A3%D8%AD%D9%88%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9

 

من نحن

تطلّعاتنا هي تأمين عمل لائق ودخل مستدام ومستقر لضمان التنوع الصحي للمجتمع اللبناني والعمل على تشجيع الأفراد اللبنانيين على المساهمة الفعالة في بناء الأمة من خلال مؤسسات القطاع العام.